الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن ابن عمر قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيقرأ السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا مكانًا لموضع جبهته). متفق عليه. ولمسلم في رواية: (في غير صلاة). قوله (يقرأ علينا السورة) زاد البخاري في رواية: (ونحن عنده). قوله: (لموضع جبهته) يعني من شدة الزحام وقد اختلف فيمن لم يجد مكانًا يسجد عليه فقال ابن عمر: يسجد على ظهر أخيه وبه قال الكوفيون وأحمد وإسحاق وقال عطاء والزهري: يؤخر حتى يرفعوا وبه قال مالك والجمهور وهذا الخلاف في سجود الفريضة. قال في الفتح: وإذا كان هذا في سجود الفريضة فيجري مثله في سجود التلاوة ولم يذكر ابن عمر في هذا الحديث ما كانوا يصنعون حينئذ ولذلك وقع الخلاف المذكور. ووقع في الطبراني من طريق مصعب بن ثابت عن نافع في هذا الحديث: (إن ذلك كان بمكة لما قرأ النبي صلى اللَّه عليه وسلم النجم) وزاد فيه: (حتى سجد الرجل على ظهر الرجل). قال الحافظ: الذي يظهر أن هذا الكلام وقع من ابن عمر على سبيل المبالغة في أنه لم يبق أحد إلا سجد قال: وسياق حديث الباب مشعر بأن ذلك وقع مرارًا ويؤيد ذلك ما رواه الطبراني من رواية المسور بن مخرمة عن أبيه قال: (أظهر أهل مكة الإسلام - يعني في أول البعثة - حتى أن كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليقرأ السجدة فيسجد وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام حتى قدم رؤساء مكة وكانوا في الطائف فرجعوهم عن الإسلام). قوله: (في غير صلاة) قد تقدم أنه تمسك بهذه الرواية من قال إنه لا سجود للتلاوة في صلاة الفرض وتقدم الجواب عليه. ـ والحديث ـ يدل على مشروعية السجود لمن سمع الآية التي يشرع فيها السجود إذا سجد القارئ لها. 2 - وعن عطاء بن يسار: (أن رجلًا قرأ عند النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم السجدة فسجد فسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللَّه قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت فلم تسجد فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: كنت إمامنا فلو سجدت سجدت). رواه الشافعي في مسنده هكذا مرسلًا. قال البخاري: وقال ابن مسعود لتميم ابن حذلم وهو غلام فقرأ عليه سجدة فقال اسجد فإنك إمامنا فيها. الحديث أخرجه أبو داود في المراسيل. وقال البيهقي: رواه قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقرة ضعيف وأخرج ابن أبي شيبة من رواية ابن عجلان عن زيد بن أسلم قال: (إن غلامًا قرأ عند النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلما لم يسجد قال: يا رسول اللَّه ليس في هذه السجدة سجود قال صلى اللَّه عليه وآله وسلم: بلى ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت لسجدنا). قال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات إلا أنه مرسل. قوله: (قال البخاري) هذا الأثر ذكره البخاري تعليقًا ووصله سعيد بن منصور من رواية مغيرة عن إبراهيم. قوله: [ابن حذلم] بفتح المهملة واللام بينهما معجمة ساكنة. والحديث يدل على أن سجود التلاوة لا يشرع للسامع إلا إذا سجد القارئ قال ابن بطال: أجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد. وقد اختلف العلماء في اشتراط السماع لآية السجدة وإلى اشتراط ذلك ذهبت العترة وأبو حنيفة والشافعي وأصحابه لكن الشافعي شرط قصد الاستماع والباقون لم يشترطوا ذلك. وقال الشافعي في البويطي: لا أؤكد على السامع كما أؤكد على المستمع. وقد روى البخاري عن عثمان بن عفان وعمران بن حصين وسلمان الفارسي أن السجود إنما شرع لمن استمع وكذلك روى البيهقي وابن أبي شيبة عن ابن عباس. 3 - وعن زيد بن ثابت قال: (قرأت على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والنجم فلم يسجد فيها). رواه الجماعة إلا ابن ماجه. ورواه الدارقطني وقال: (فلم يسجد منا أحد). الحديث احتج به من قال إن المفصل لا يشرع فيه سجود التلاوة وهم المالكية والشافعي في أحد قوليه كما تقدم واحتج به أيضًا من خص سورة النجم بعدم السجود وهو أبو ثور وأجيب عن ذلك بأن تركه صلى اللَّه عليه وآله وسلم للسجود في هذه الحالة لا يدل على تركه مطلقًا لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء أو لكون الوقت كان وقت كراهة أو لكون القارئ لم يسجد أو كان الترك لبيان الجواز قال في الفتح: وهذا أرجح الاحتمالات وبه حزم الشافعي وقد تقدم حديث ابن عباس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس). وروى البزار والدارقطني عن أبي هريرة أنه قال: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه) قال في الفتح: ورجاله ثقات وروى ابن مردويه بإسناد حسنه الحافظ عن أبي هريرة أنه سجد في خاتمة النجم فسئل عن ذلك فقال أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سجد فيها. وقد تقدم أن أبا هريرة إنما أسلم سنة سبع من الهجرة. واستدل المصنف رحمه اللَّه بحديث الباب على عدم وجوب السجود فقال ما لفظه: وهو حجة في أن السجود لا يجب اهـ. واستدل من قال بالوجوب بالأوامر الواردة به في القرآن كما في ثانية الحج وخاتمة النجم وسورة اقرأ ولا يخفى أن هذا الدليل أخص من الدعوى وأيضًا القائل بالوجوب وهو أن أبو حنيفة لا يقول بوجوب السجود في ثانية الحج كما تقدم ومقتضى دليله هذا أن يكون أوجبه .
1 - عن ابن عمر: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم الراكب والساجد في الأرض حتى أن الراكب ليسجد على يده). رواه أبو داود. الحديث في إسناده مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير وقد ضعفه غير واحد من الأئمة. قوله: (والساجد في الأرض) أي ومنهم الساجد في الأرض. قوله: (ليسجد على يده) فيه جواز سجود الراكب على يده في سجود التلاوة وهو يدل على جواز السجود في التلاوة لمن كان راكبًا من دون نزول لأن التطوعات على الراحلة جائزة كما تقدم وهذا منها. 2 - وعن عمر: (أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى جاء السجدة فنزل وسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم سجد فلا إثم عليه). رواه البخاري. وفي لفظ: (إن اللَّه لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء). الأثر أخرجه أيضًا مالك في الموطأ والبيهقي وأبو نعيم في مستخرجه وابن أبي شيبة. وقد استدل به القائلون بعدم الوجوب وأجابت الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب. قال في الفتح: وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث وما كان الصحابة يفرقون بينهما ويغني عن هذا قوله: (ومن لم يسجد فلا إثم عليه) وتعقب أيضًا بقوله إلا أن نشاء فإنه يدل على أن المرء مخير في السجود فلا يكون واجبًا وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فتجب. قال الحافظ: ولا يخفى بعده ويرده أيضًا قوله: (فلا إثم عليه) فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارًا يدل على عدم وجوبه. واستدل بهذا الاستثناء على وجوب إتمام السجود على من شرع فيه لأن الظاهر أنه استثناء من قوله: (لم يفرض). وأجيب بأنه استثناء منقطع ومعناه لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل قوله: (ومن لم يسجد فلا إثم عليه). ـ لا يقال ـ الاستدلال بقول عمر على عدم الوجوب لا يكون مثبتًا للمطلوب لأنه قول صحابي ولا حجة فيه لأنه يقال أولًا إن القائل بالوجوب وهم الحنفية يقولون بحجية أقوال الصحابة وثانيًا إن تصريحه بعدم الفرضية وبعدم الإثم على التارك في مثل هذا الجمع من دون صدور إنكار يدل على إجماع الصحابة على ذلك والأثر أيضًا يدل على جواز قراءة القرآن في الخطبة وجواز نزول الخطيب عن المنبر وسجوده إذا لم يتمكن من السجود فوق المنبر. وعن مالك أنه يقرأ في خطبته ولا يسجد وهذا الأثر وارد عليه.
1 - عن ابن عمر قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا). رواه أبو داود. الحديث في إسناده العمري عبد اللَّه المكبر وهو ضعيف. وأخرجه الحاكم من رواية العمري أيضًا لكن وقع عنده مصغرًا والمصغر ثقة ولهذا قال على شرط الشيخين. قال الحافظ: وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر بلفظ آخر قال عبد الرزاق: كان الثوري يعجبه هذا الحديث وقد أخرج مسلم لعبد اللَّه العمري المذكور في صحيحه لكن مقرونًا بأخيه عبيد اللَّه. والحديث يدل على أنه يشرع التكبير لسجود التلاوة وإلى ذلك ذهبت الهادوية وبعض أصحاب الشافعي قال أبو طالب: ويكبر بعد تكبيرة الافتتاح تكبيرة أخرى للنفل وحكى في البحر عن العترة أنه لا تشهد في سجود التلاوة ولا تسليم. وقال بعض أصحاب الشافعي: بل يتشهد ويسلم كالصلاة وقال بعض أصحاب الشافعي: يسلم قياسًا للتحليل على التحريم ولا يتشهد إذ لا دليل. ولهم في السائر وجهان يومئ للعذر ويسجد إذ الإيماء ليس بسجود وفي الاستغناء عنه بالركوع قولان: الهادوية والشافعي لا يغني إذ لم يؤثر وقال أبو حنيفة يغني إذا القصد الخضوع. 2 - وعن عائشة قالت: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته). رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي. 3 - وعن ابن عباس قال: (كنت عند النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأتاه رجل فقال: إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى أصل شجرة فقرأت السجدة فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها تقول: اللَّهم احطط عني بها وزرًا واكتب لي بها أجرًا واجعلها لي عندك ذخرًا. قال ابن عباس: فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ السجدة فسجد فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة). رواه ابن ماجه والترمذي وزاد فيه: (وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام). الحديث الأول أخرجه أيضًا الدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه ابن السكن وقال في آخره (ثلاثًا) وزاد الحاكم: (فتبارك اللَّه أحسن الخالقين) وزاد البيهقي: (وصوره) بعد قوله: (خلقه) ولمسلم نحوه من حديث علي في سجود الصلاة وقد تقدم. وللنسائي أيضًا نحوه من حديث جابر في سجود الصلاة أيضًا. والحديث الثاني أخرجه أيضًا الحاكم وابن حبان وفي إسناده الحسن بن محمد بن عبيد اللَّه ابن أبي يزيد. قال العقيلي: فيه جهالة. ـ وفي الباب ـ عن أبي سعيد الخدري عند البيهقي. واختلف في وصله وإرساله وصوب الدارقطني في العلل رواية حماد عن حميد عن بكر أن أبا سعيد رأى فيما يرى النائم وذكر الحديث. والحديثان يدلان على مشروعية الذكر في سجود التلاوة بما اشتملا عليه. [فائدة] ليس في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئًا وقد كان يسجد معه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من حضر تلاوته ولم ينقل أنه أمر أحدًا منهم بالوضوء ويبعد أن يكونوا جميعًا متوضئين وأيضًا قد كان يسجد معه المشركون كما تقدم وهم أنجاس لا يصح وضوءهم وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء. وكذلك روى عنه ابن أبي شيبة وأما ما رواه البيهقي عنه بإسناد قال في الفتح: صحيح أنه قال لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر فيجمع بينهما بما قال الحافظ من حمله على الطهارة الكبرى أو على حالة الاختيار والأول على الضرورة وهكذا ليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار طهارة الثياب والمكان وأما ستر العورة والاستقبال مع الإمكان فقيل إنه معتبر اتفاقًا قال في الفتح: لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح. وأخرج أيضًا عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماء ومن الموافقين لابن عمر من أهل البيت أبو طالب والمنصور باللَّه. [فائدة أخرى] روي عن بعض الصحابة أنه يكره سجود التلاوة في الأوقات المكروهة والظاهر عدم الكراهة لأن السجود المذكور ليس بصلاة والأحاديث الواردة بالنهي مختصة بالصلاة.
1 - عن أبي بكرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بُشِّرَ به خَرَّ ساجدًا شكرًا للَّه تعالى). رواه الخمسة إلا النسائي. ولفظ أحمد: (أنه شهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة فقام فخر ساجدًا فأطال السجود ثم رفع رأسه فتوجه نحو صدفته فدخل فاستقبل القبلة). 2 - وعن عبد الرحمن بن عوف قال: (خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتوجه نحو صدفته فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدًا فأطال السجود ثم رفع رأسه وقال: إن جبريل أتاني فبشرني فقال: إن اللَّه عز وجل يقول لك من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت للَّه شكرًا). رواه أحمد. حديث أبي بكرة قال الترمذي: هو حسن غريب وفي إسناده بكار بن عبد العزيز ابن أبي بكرة عن أبيه عن جده وهو ضعيف عند العقيلي وغيره. وقال ابن معين: إنه صالح الحديث وحديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه أيضًا البزار وابن أبي عاصم في فضل الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والعقيلي في الضعفاء والحاكم. ـ وفي الباب ـ عن أنس عند ابن ماجه بنحو حديث أبي بكرة وفي سنده ضعف واضطراب. وعن جابر عند ابن حبان في الضعفاء: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رأى رجلًا نغاشيًا فخر ساجدًا ثم قال: أسأل اللَّه العافية) والنغاش بضم النون وبالغين والشين المعجمتين القصير الضعيف الحركة الناقص الخلق قاله ابن الأثير. وذكر حديث جابر الشافعي في المختصر ولم يذكر له إسنادًا وكذا صنع الحاكم في المستدرك واستشهد به على حديث أبي بكرة وأسنده الدارقطني والبيهقي من حديث جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي مرسلًا وزاد أن اسم الرجل زنيم وكذا هو في مصنف ابن أبي شيبة من هذا الوجه. ـ وفي الباب ـ عن سعد بن أبي وقاص وسيأتي قال البيهقي: في الباب عن جابر وابن عمر وأنس وجرير وأبي جحيفة اهـ. قال المنذري: وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء بإسناد صحيح ومن حديث كعب بن مالك وغير ذلك اهـ. قوله: (صدفته) بفتح الصاد والدال المهملتين والفاء. والصدفة من أسماء البناء المرتفع. وفي النهاية ما لفظه: كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي قال: الصدف بفتحتين وضمتين كل بناء عظيم مرتفع تشبيهًا بصدف الجبل وهو ما قابلك من جانبه واسم لحيوان في البحر اهـ. وهذه الأحاديث تدل على مشروعية سجود الشكر وإلى ذلك ذهبت العترة وأحمد والشافعي وقال مالك: وهو مروي عن أبي حنيفة أنه يكره إذا لم يؤثر عنه صلى اللَّه عليه وسلم مع تواتر النعم عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم. وفي رواية عن أبي حنيفة أنه مباح لأنه لم يؤثر. وإنكار ورود سجود الشكر عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من مثل هذين الإمامين مع وروده عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من هذه الطرق التي ذكرها المصنف وذكرناها من الغرائب. ومما يؤيد ثبوت سجود الشكر قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الحديث المتقدم في سجدة ص: (هي لنا شكر ولداود توبة) وليس في أحاديث الباب ما يدل على اشتراط الوضوء وطهارة الثياب والمكان وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى وأبو طالب. وذهب أبو العباس والمؤيد باللَّه والنخعي وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يشترط في سجود الشكر شروط الصلاة. وليس في أحاديث الباب أيضًا ما يدل على التكبير في سجود الشكر وفي البحر أنه يكبر قال الإمام يحيى: ولا يسجد للشكر في الصلاة قولًا واحدًا إذ ليس من توابعها قال أبو طالب: ومستقبل القبلة. 3 - وعن سعد بن أبي وقاص قال: (خرجنا مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من مكة نريد المدينة فلما كنا قريبًا من عزوراء نزل ثم رفع يديه فدعا اللَّه ساعة ثم خر ساجدًا فمكث طويلًا ثم قام فرفع يديه ساعةً ثم خر ساجدًا فعله ثلاثًا وقال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدًا شكرًا لربي ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدًا شكرًا لربي ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدًا لربي). رواه أبو داود. وسجد أبو بكر حين جاء قتل مسيلمة رواه سعيد بن منصور. وسجد علي حين وجد ذا الثدية في الخوارج رواه أحمد في مسنده. وسجد كعب بن مالك في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم لما بشر بتوبة اللَّه عليه. وقصته متفق عليها). الحديث قال المنذري: في إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وفيه مقال اهـ. وأخرج أبو داود عن أبي موسى الأشعري قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل) وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود تكلم فيه غير واحد. وقال العقيلي: تغير في آخر عمره في حديثه اضطراب. وقال ابن حبان البستي: اختلط حديثه فلم يتميز فاستحق الترك. وقد استشهد بعبد الرحمن المذكور البخاري. قوله: (من عزوراء) بفتح العين المهملة وسكون الزاي وفتح الواو بالمد ثنية الجحفة عليها الطريق من المدينة ويقال فيها عزور. قال في القاموس: وعزور ثانية الجحفة عليها الطريق. قوله: (قتل مسيلمة) هو الكذاب وقصته معروفة. قوله: (ذا الثدية) هو رجل من الخوارج الذين قتلهم علي عليه السلام يوم النهروان. ويقال له المخدج وكان في يده مثل ثدي المرأة على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه شعرات مثل سبالة السنور وقصته مشهورة ذكرها مسلم في صحيحه وأبو داود وغيرهما. قوله: (وقصته متفق عليها) وهي مطولة في الصحيحين وغيرهما. وحاصلها أنه تخلف عن غزوة تبوك بلا عذر واعترف بذلك بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم يعتذر بالأعذار الكاذبة كما فعل ذلك المتخلفون من المنافقين فنهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الناس عن تكليمه وأمر بمفارقة زوجته حتى ضاقت عليه وعلى صاحبيه اللذين اعترفا كما اعترف الأرض بما رحبت كما وصف اللَّه ذلك في كتابه ثم بعد خمسين ليلة تاب اللَّه عليهم فلما بُشر بذلك سجد شكرًا للَّه تعالى. والحديث يدل على مشروعية سجود الشكر وكذلك الآثار المذكورة وقد تقدم الخلاف في ذلك.
1 - عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: (صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إحدى صلاتي العشي فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا: قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل يقال له ذو اليدين فقال: يا رسول اللَّه أنسيت أم قصرت فقال: لم أنس ولم تقصر فقال: أكما يقول ذو اليدين فقالوا: نعم فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر فربما سألوه ثم سلم فيقول: أنبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم). متفق عليه. وليس لمسلم فيه وضع اليد على اليد ولا التشبيك. وفي رواية قال: (بينما أنا أصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلاة الظهر سلم من ركعتين فقام رجل من بني سليم فقال: يا رسول اللَّه أقصرت الصلاة أم نسيت) وساق الحديث رواه أحمد ومسلم. وهذا يدل على أن القصة كانت بحضرته وبعد إسلامه. وفي رواية متفق عليها لما قال: (لم أنس ولم تقصر قال: بلى قد نسيت) وهذا يدل على أن ذا اليدين تكلم بعد ما علم عدم النسخ كلامًا ليس بجواب سؤال). قال الحافظ في التلخيص: لهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ وقد جمع جميع طرقه الحافظ صلاح الدين العلائي وتكلم عليه كلامًا شافيًا انتهى. ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند أبي داود وابن ماجه. وعن ذي اليدين عند عبد اللَّه بن أحمد في زيادات المسند والبيهقي. وعن ابن عباس عند البزار في مسنده والطبراني. وعن عبد اللَّه بن مسعدة عند الطبراني في الأوسط. وعن معاوية بن خديج عند أبي داود والنسائي. وعن أبي العريان عند الطبراني في الكبير. قال ابن عبد البر في التمهيد: وقد قيل أن أبا العريان المذكور هو أبو هريرة وقال النووي في الخلاصة: أن ذا اليدين يكنى أبا العريان قال العراقي: كلا القولين غير صحيح وأبو العريان صحابي آخر لا يعرف اسمه ذكره الطبراني فيهم في الكنى وكذلك أورده أبو موسى المديني في ذيله على ابن منده في الصحابة. قوله: (صلى بنا) ظاهره أن أبا هريرة حضر القصة وحمله الطحاوي على المجاز قال: إن المراد به صلى بالمسلمين وسبب ذلك قول الزبيري أن صاحب القصة استشهد ببدر لأنه يقتضي أن القصة وقعت قبل بدر وهي قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين لكن اتفق أئمة الحديث كما نقله ابن عبد البر وغيره على أن الزهري وهم في ذلك وسببه أنه جعل القصة لذي الشمالين وذو الشمالين هو الذي قتل ببدر وهو خزاعي واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة. وأما ذو اليدين فتأخر بعد موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمدة وحدث بهذا الحديث بعد موت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كما أخرج ذلك الطبراني واسمه الخرباق كما سيأتي وقد جوز بعض الأئمة أن تكون القصة وقعت لكل من ذي الشمالين وذي اليدين وأن أبا هريرة روى الحديثين فأرسل أحدهما وهو قصة ذي الشمالين وشاهد الآخر وهو قصة ذي اليدين. قال في الفتح: وهذا محتمل في طريق الجمع وقيل يحمل على أن ذا الشمالين كما يقال له أيضًا ذو اليدين وبالعكس فكان سبب الاشتباه ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي الرواية الأخرى التي ذكرها المصنف بلفظ: (بينما أنا أصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم). قال الحافظ في الفتح: وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين ونص على ذلك الشافعي في اختلاف الحديث. قوله: (إحدى صلاتي العشي) قال النووي: هو بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء قال: قال الأزهري: العشي عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها ويبين ذلك ما وقع عند البخاري من حديث أبي هريرة قال: (صلى بنا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الظهر والعصر) وفي رواية له قال محمد يعني ابن سيرين: (وأكثر ظني أنها العصر) وفي مسلم العصر من غير شك. وفي رواية له الظهر كذلك كما ذكر المصنف. وفي رواية له أيضًا إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر. قال في الفتح: والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة وأبعد من قال يحمل على أن القصة وقعت مرتين بل روى النسائي من طريق ابن عوف عن ابن سيرين أن الشك فيه من أبي هريرة ولفظه: (صلى صلى اللَّه عليه وآله وسلم إحدى صلاتي العشي قال أبو هريرة ولكني نسيت) فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرًا على الشك وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها وطرأ الشك أيضًا في تعيينها على ابن سيرين وكأن سبب ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية. قوله: (فقام إلى خشبة في المسجد) في رواية للبخاري: (في مقدم المسجد) ولمسلم: (في قبلة المسجد). قوله: (السرعان) بفتح المهملات ومنهم من يسكن الراء وحكى عياض أن الأصيلي ضبطه بضم ثم إسكان كأنه جمع سريع والمراد بهم أول الناس خروجًا من المسجد وهم أهل الحاجات غالبًا. قوله: (فهابا) في رواية للبخاري: (فهاباه) بزيادة الضمير والمعنى أنه غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم. قوله: (يقال له ذو اليدين) قال القرطبي: هو كناية عن طولهما وعن بعض شراح التنبيه أنه كان قصير اليدين وجزم ابن قتيبة أنه كان يعمل بيديه جميعًا. وذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف اعتمادًا على ما وقع في حديث عمران بن حصين الآتي. قال في الفتح: وهذا موضع من يوحد حديث أبي هريرة بحديث عمران وهو الراجح في نظري وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين وأنه صلى اللَّه عليه وسلم قام إلى خشبة في المسجد. وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة واستبعده ولكن طريق الجمع يكتفى فيها بأدنى مناسبة وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة لأنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن ذلك واستفهم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الصحابة عن صحة قوله. وأما الثاني فلعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله فإن كان كذلك وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له على سياقه كما أخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة ولموافقة ذي اليدين كما أخرجه أبو بكر الأثرم وعبد اللَّه ابن أحمد في زيادات المسند وأبو بكر ابن أبي خيثمة وغيرهم انتهى. قوله: (لم أنس ولم تقصر) هو تصريح بنفي النسيان ونفي القصر وهو مفسر لما عند مسلم بلفظ: (وكل ذلك لم يكن) وتأييد لما قاله علماء المعاني أن لفظ كل إذا تقدم وعقبه نفي كان نفيًا لكل فرد لا للمجموع بخلاف ما إذا تأخر ولهذا أجاب ذو اليدين بقوله وقد كان بعض ذلك كما في صحيح مسلم. وفي البخاري ومسلم أنه قال: (بلى قد نسيت) كما ذكر المصنف. ـ وفيه دليل ـ على جواز دخول السهو عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الأحكام الشرعية وقد نقل عياض والنووي الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية وخصا الخلاف بالأفعال وقد تعقبا قال الحافظ: نعم اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك إما متصلًا بالفعل أو بعده كما وقع في هذا الحديث. وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره. وأما من منع السهو مطلقًا منه صلى اللَّه عليه وسلم فأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة. منها أن قوله صلى اللَّه عليه وسلم (لم أنس) على ظاهره وحقيقته وأنه كان متعمدًا لذلك ليقع منه التشريع بالفعل لكونه أبلغ من القول ويكفي في رد هذا تقريره صلى اللَّه عليه وسلم لذي اليدين على قوله (بلى قد نسيت) وأصرح من ذلك قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون) وهو متفق عليه من حديث ابن مسعود كما سيأتي. ومن أجوبتهم أن قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم (أني لا أنسى ولكني أنسى لا سن) يدل على عدم صدور النسيان منه وتعقب بما قاله الحافظ في الفتح أن هذا الحديث لا أصل له فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد. وأيضًا هو أحد الأحاديث الأربعة التي تكلم عليها في الموطأ. ـ ومن أجوبتهم ـ أيضًا حديث إنكاره صلى اللَّه عليه وآله وسلم على من قال نسيت آية كذا وكذا وقال: (بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا وكذا) وتعقب بأنه لا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شيء فإن الفرق بينهما واضح جدًا. ـ ومن أجوبتهم ـ أن قوله (لم أنس) راجع إلى السلام أي سلمت قصدًا بانيًا على ما في اعتقادي أني صليت أربعًا. قال الحافظ: وهذا جيد وكأن ذا اليدين فهم العموم فقال بلى نسيت والكلام في ذلك محله علم الكلام والأصول. وقد تكلم عياض في الشفاء بما يشفي فمن أراد البسط فليرجع إليه وهذا كله مبني على أن معنى السهو والنسيان واحد وأما من فرق بينهما فله أن يقول هذه الأدلة وإن دلت على أنه وقع النسيان منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فهي لا تستلزم وقوع السهو. قوله: (فصلى ما ترك) فيه جواز البناء على الصلاة التي خرج منها المصلي قبل تمامها ناسيًا وإلى ذلك ذهب الجمهور كما قال العراقي من غير فرق بين من سلم من ركعتين أو أكثر أو أقل. وقال سحنون: إنما يبني من سلم من ركعتين كما في قصة ذي اليدين لأن ذلك وقع على غير القياس فيقتصر على مورد النص وحديث عمران بن حصين الآتي يبطل ما زعمه من قصر الجواز على ركعتين على أنه يلزمه أن يقصر الجواز على إحدى صلاتي العشي ولا قائل به. وذهبت الهادوية إلى أنه لا يجوز البناء على الصلاة التي خرج منها بتسليمتين من غير فرق بين العمد والسهو وأجابوا عن حديث الباب بأن قصة ذي اليدين كانت قبل نسخ الكلام اعتمادًا منهم على ما سلف عن الزهري وقد قدمنا أنه وهم على أنه قد روى البناء عمران بن حصين كما سيأتي وإسلامه متأخر. ورواه أيضًا معاوية بن خديج كما تقدمت الإشارة إلى ذلك وإسلامه قبل موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم بشهرين ومع هذا فتحريم الكلام كان بمكة وقد حققنا ذلك في باب تحريم الكلام. ـ وفي حديث الباب ـ دليل على أن كلام الساهي لا يبطل الصلاة وكذا كلام من ظن التمام وقد تقدم الكلام على ذلك في باب تحريم الكلام أيضًا وفيه أيضًا دليل على أن الأفعال الكثيرة التي ليست من جنس الصلاة إذا وقعت سهوًا أو مع ظن التمام لا تفسد الصلاة وقد تقدم البحث في ذلك. قوله: (ثم سلم ثم كبر وسجد) فيه دليل لمن قال إن سجود السهو بعد السلام وقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثمانية أقوال كما ذكر ذلك العراقي في شرح الترمذي. الأول: أن سجود السهو كله محله بعد السلام وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة وهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وعبد اللَّه بن مسعود وعمران بن حصين وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة. وروى الترمذي عنه خلاف ذلك كما سيأتي وروي أيضًا عن ابن عباس ومعاوية وعبد اللَّه بن الزبير على خلاف في ذلك عنهم. ومن التابعين أبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصري والنخعي وعمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن أبي ليلى والسائب القاري. وروى الترمذي عنه خلاف ذلك وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه. وحكى عن الشافعي قولًا له. ورواه الترمذي عن أهل الكوفة وذهب إليه من أهل البيت الهادي والقاسم وزيد بن علي والمؤيد باللَّه واستدلوا بحديث الباب وبسائر الأحاديث التي ذكر فيها السجود بعد السلام. القول الثاني: أن سجود السهو كله قبل السلام وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة أبو سعيد الخدري وروي أيضًا عن ابن عباس ومعاوية وعبد اللَّه بن الزبير على خلاف في ذلك وبه قال الزهري ومكحول وابن أبي ذئب والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي في الجديد وأصحابه ورواه الترمذي عن أكثر فقهاء المدينة وعن أبي هريرة. ـ واستدلوا ـ على ذلك بالأحاديث التي ذكر فيها السجود قبل السلام وسيأتي بعضها. القول الثالث: التفرقة بين الزيادة والنقص فيسجد للزيادة بعد السلام وللنقص قبله وإلى ذلك ذهب مالك وأصحابه والمزني وأبو ثور وهو قول الشافعي وإليه ذهب الصادق والناصر من أهل البيت. قال ابن عبد البر: وبه يصح استعمال الخبرين جميعًا قال: واستعمال الأخبار على وجهها أولى من ادعاء النسخ ومن جهة النظر الفرق بين الزيادة والنقصان بيِّنٌ في ذلك لأن السجود في النقصان إصلاح وجبر ومحال أن يكون الإصلاح والجبر بعد الخروج من الصلاة وأما السجود في الزيادة فإنما هو ترغيم للشيطان وذلك ينبغي أن يكون بعد الفراغ. قال ابن العربي: مالك أسعد قيلًا وأهدى سبيلًا انتهى. ويدل على هذه التفرقة ما رواه الطبراني من حديث عائشة في آخر حديث لها وفيه قال: (من سها قبل التمام فليسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم وإذا سها بعد التمام سجد سجدتي السهو بعد أن يسلم) ولكن في إسناده عيسى بن ميمون المدني المعروف بالواسطي وهو وإن وثقه حماد بن سلمة وقال فيه ابن معين مرة: لا بأس به فقد قال فيه مرة: ليس بشيء وضعفه الجمهور. القول الرابع: أنه يستعمل كل حديث كما ورد وما لم يرد فيه شيء سجد قبل السلام وإلى ذلك ذهب أحمد بن حنبل كما حكاه الترمذي عنه وبه قال سليمان بن داود الهاشمي من أصحاب الشافعي وأبو خيثمة. قال ابن دقيق العيد: هذا المذهب مع مذهب مالك متفقان في طلب الجمع وعدم سلوك طريق الترجيح لكنهما اختلفا في وجه الجمع. القول الخامس: أنه يستعمل كل حديث كما ورد وما لم يرد فيه شيء فما كان نقصًا سجد له قبل السلام وما كان زيادة فبعد السلام وإلى ذلك ذهب إسحاق بن راهويه كما حكاه عنه الترمذي. القول السادس: أن الباني على الأقل في صلاته عند شكه يسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد الآتي والمتحري في الصلاة عند شكه يسجد بعد السلام على حديث ابن مسعود الآتي أيضًا وإلى ذلك ذهب أبو حاتم بن حبان قال: وقد يتوهم من لم يحكم صناعة الأخبار ولا تفقه في صحيح الآثار أن التحري في الصلاة والبناء على اليقين واحد وليس كذلك لأن التحري هو أن يشك المرء في صلاته فلا يدري ما صلى فإذا كان كذلك فعليه أن يتحرى الصواب وليبن على الأغلب عنده ويسجد سجدتي السهو بعد السلام على خبر ابن مسعود. والبناء على اليقين هو أن يشك في الثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع فإذا كان كذلك فعليه أن يبني على اليقين وهو الأقل وليتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو قبل السلام على خبر عبد الرحمن بن عوف وأبي سعيد وما اختاره من التفرقة بين التحري والبناء على اليقين قاله أحمد بن حنبل فيما ذكره ابن عبد البر في التمهيد. وقال الشافعي وداود وابن حزم: أن التحري هو البناء على اليقين وحكاه النووي عن الجمهور. القول السابع: أنه يتخير الساهي بين السجود قبل السلام وبعده سواء كان لزيادة أو نقص حكاه ابن أبي شيبة في المصنف عن علي عليه السلام وحكاه الرافعي قولًا للشافعي ورواه المهدي في البحر عن الطبري ودليلهم أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صح عنه السجود قبل السلام وبعده فكان الكل سنة. القول الثامن: أن محله كان بعد السلام إلا في موضعين فإن الساهي فيهما مخير. أحدهما من قام من ركعتين ولم يجلس ولم يتشهد. والثاني أن لا يدري أصلى ركعة أم ثلاثًا أم أربعًا فيبني على الأقل ويخير في السجود وإلى ذلك ذهب أهل الظاهر. وبه قال ابن حزم وروى النووي في شرح مسلم عن داود أنه قال: تستعمل الأحاديث في مواضعها كما جاءت. قال القاضي عياض وجماعة من أصحاب الشافعي: ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء أنه لو سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو للنقص أنه يجزئه ولا تفسد صلاته وإنما اختلافهم في الأفضل. قال النووي: وأقوى المذاهب هنا مذهب مالك ثم الشافعي. وقال ابن حزم في مذهب مالك: إنه رأي لا برهان على صحته قال: وهو أيضًا مخالف للثابت عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من أمره بسجود السهو قبل السلام من شك فلم يدر كم صلى وهو سهو زيادة ثم قال: ليت شعري من أين لهم أن جبر الشيء لا يكون إلا فيه لا بائنًا عنه وهم مجمعون على أن الهدى والصيام يكونان جبرًا لما نقص من الحج وهما بعد الخروج عنه وأن عتق الرقبة أو الصدقة أو صيام الشهرين جبرًا لنقص وطء التعمد في نهار رمضان وفعل ذلك لا يجوز إلا بعد تمامه اهـ. وأحسن ما يقال في المقام أنه يعمل على ما تقتضيه أقواله وأفعاله صلى اللَّه عليه وسلم من السجود قبل السلام وبعده فما كان من أسباب السجود مقيدًا بقبل السلام سجد له قبله وما كان مقيدًا ببعد السلام سجد له بعده وما لم يرد تقييده بأحدهما كان مخيرًا بين السجود قبل السلام وبعده من غير فرق بين الزيادة والنقص لما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين) وجميع أسباب السجود لا تكون إلا زيادة أو نقصًا أو مجموعهما وهذا ينبغي أن يعد مذهبًا تاسعًا لأن مذهب داود وإن كان فيه أنه يعمل بمقتضى النصوص الواردة كما حكاه النووي فقد جزم بأن الخارج عنها يكون قبل السلام وإسحاق بن راهويه وإن قال: إنها تستعمل الأحاديث كما وردت فقد جزم أنه يسجد لما خرج عنها إن كان زيادة بعد السلام وإن كان نقصًا فقبله كما سبق. والقائلون بالتخيير لم يستعملوا النصوص كما وردت ولا شك أنه أفضل. ومحل الخلاف في الأفضل كما عرفت وإن كانت الهادوية تقول بفساد صلاة من سجد لسهوه قبل التسليم مطلقًا لكن قولهم مع كونه مخالفًا لما صرحت به الأدلة مخالف للإجماع الذي حكاه عياض وغيره. قوله: (فربما سألوه ثم سلم) يعني سألوا محمد بن سيرين هل سلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد سجدتي السهو فروي عن عمران بن حصين أنه أخبر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سلم بعدهما. ولفظ أبي داود: (فقيل لمحمد سلم في السجود فقال: لم أحفظه من أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم) وفيه دليل على مشروعية التسليم في سجود السهو وقد نقل بعض المتأخرين عن النووي أن الشافعية لا يثبتون التسليم وهو خلاف المشهور عن الشافعية والمعروف في كتبهم وخلاف ما صرح به النووي في شرح مسلم فإنه قال: والصحيح في مذهبنا أنه يسلم ولا يتشهد. 2 - وعن عمران بن حصين: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات ثم دخل منزله) وفي لفظ: (فدخل الحجرة فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يده طول فقال: يا رسول اللَّه فذكر له صنيعه فخرج غضبان يجر ردائه حتى انتهى إلى الناس فقال: أصدق هذا قالوا: نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم). رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي). الكلام على فقه الحديث قد تقدم وتقدم أيضًا الاختلاف بين أهل العلم هل حديث عمران هذا وحديث أبي هريرة المتقدم حكاية لقصة واحدة أو لقصتين مختلفتين والظاهر ما قاله ابن خزيمة ومن تبعه من التعدد لأن دعوى الاتحاد تحتاج إلى تأويلات متعسفة كما سلف. وتقدم أيضًا ضبط الخرباق وأنه اسم ذي اليدين. ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند البزار والطبراني في الكبير: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلى بهم العصر ثلاثًا فدخل على بعض نسائه فدخل عليه رجل من أصحابه يقال له ذو الشمالين) الحديث. 3 - وعن عطاء: (أن ابن الزبير صلى المغرب فسلم في ركعتين فنهض ليستلم الحجر فسبح القوم فقال: ما شأنكم قال: فصلى ما بقي وسجد سجدتين قال: فذكر ذلك لابن عباس فقال: ما أماط عن سنة نبيه صلى اللَّه عليه وسلم). رواه أحمد. الحديث أيضًا أخرجه البزار والطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد: ورجال أحمد رجال الصحيح. قوله: (ما أماط) أوله همزة مفتوحة وآخره مهملة. قال في القاموس: ماط يميط ميطًا جار وزجر وعنى ميطانًا وميطًا تنحى وبعد ونحى وأبعد كأماط فيهما اهـ. والمراد هنا أن ابن الزبير ما بعد ولا تنحى عن السنة أو ما أبعد ولا نحى غيره عنها بما فعله لما تقدم من ثبوت ذلك عنه صلى اللَّه عليه وسلم والخلاف في جواز البناء قد مر .
1 - عن عبد الرحمن بن عوف قال: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم ثنتين فليجعلها واحدة وإذا لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثًا فليجعلها ثنتين وإذا لم يدر ثلاثًا صلى أم أربعًا فليجعلها ثلاثًا ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين). رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه. وفي رواية: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: من صلى صلاة يشك في النقصان فليصل حتى يشك في الزيادة) رواه أحمد. الحديث معلول لأنه من رواية ابن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرحمن. وقد رواه أحمد في المسند عن ابن علية عن ابن إسحاق عن مكحول مرسلًا. قال ابن إسحاق: فلقيت حسين بن عبد اللَّه فقال لي: أسنده لك قلت: لا فقال: لكنه حدثني أن كريبًا حدثه به وحسين ضعيف جدًا. ورواه إسحاق بن راهويه والهيثم بن كليب في مسنديهما من طريق الزهري عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس مختصرًا وفي إسنادهما إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وتابعه بحر بن كثير السقاء فيما ذكره الدارقطني في العلل. وقد رواه أيضًا أحمد بن حنبل عن محمد بن يزيد عن إسماعيل ابن مسلم عن الزهري وإسماعيل بن مسلم ضعيف كما مر. والزيادة التي رواها المصنف رحمه اللَّه عن أحمد أخرج نحوها ابن ماجه ولفظه: (ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة) وفي الباب غير ما ذكره المصنف عن عثمان عند أحمد وفيه: (من صلى فلم يدر أشفع أم أوتر فليسجد سجدتين فإنهما إتمام صلاته) قال العراقي: رجاله ثقات إلا أن يزيد بن أبي كبشة لم يسمع من عثمان. وقد رواه أحمد أيضًا عن يزيد بن أبي كبشة عن مروان عن عثمان. وعن عائشة عند الطبراني في الأوسط وفيه: (إذا صليت فرأيت أنك أتممت صلاتك وأنت في بيتك) الحديث. وعن أنس عند البيهقي قال: (قال صلى اللَّه عليه وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثنتين صلى أو ثلاثًا فليلق الشك وليبن على اليقين) ورجال إسناده ثقات. وعن عبد اللَّه بن جعفر عند أبي داود بلفظ: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم) وفي إسناده مصعب بن عمير قال النسائي: منكر الحديث وفي إسناده أيضًا عتبة بن محمد بن الحارث قال العراقي: ليس بالمعروف وقال البيهقي: لا بأس بإسناد هذا الحديث. ـ وحديث الباب ـ قد استدل به وبما ذكر معه من قال إن من شك في ركعة بنى على الأقل مطلقًا قال النووي: وإليه ذهب الشافعي والجمهور. وحكاه المهدي في البحر عن علي عليه السلام وأبي بكر وعمر وابن مسعود وربيعة والشافعي ومالك واستدلوا أيضًا بحديث أبي سعيد الآتي. وذهب عطاء والأوزاعي والشعبي وأبو حنيفة وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر وعبد اللَّه ابن عمرو بن العاص من الصحابة إلى أن من شك في ركعة وهو مبتدأ بالشك لا مبتلي به أعاد هكذا في البحر وقال: والمبتلي الذي يمكنه التحري يعمل بتحريه وحكاه عن ابن عمر وأبي هريرة وجابر بن زيد والنخعي وأبي طالب وأبي حنيفة والذي حكاه النووي في شرح مسلم عن أبي حنيفة وموافقيه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل الرأي أن من شك في صلاته في عدد ركعاته تحرى وبنى على غالب ظنه ولا يلزم الاقتصار والإتيان بالزيادة قال: واختلف هؤلاء فقال أبو حنيفة ومالك في طائفة: هذا لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى وأما غيره فيبني على اليقين وقال آخرون: هو على عمومه اهـ. وحكى العراقي في شرح الترمذي عن عبد اللَّه بن عمر وسعيد بن جبير وشريح القاضي ومحمد بن الحنفية وميمون بن مهران وعبد الكريم الجزري والشعبي والأوزاعي أنهم يقولون بوجوب الإعادة مرة بعد أخرى حتى يستيقن ولم يرو عنهم الفرق بين المبتدأ والمبتلي. وروى عن عطاء ومالك أنهما قالا: يعيد مرة وعن طاوس كذلك وعن بعضهم يعيد ثلاث مرات. ـ واحتج القائلون ـ بالاستئناف بما أخرجه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سئل عن رجل سها في صلاته فلم يدر كم صلى فقال: ليعد صلاته وليسجد سجدتين قاعدًا). وهو من رواية إسحاق بن يحيى بن عبادة بن الصامت. قال العراقي: لم يسمع إسحاق من جده عبادة انتهى. فلا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة المصرحة بوجوب البناء على الأقل ومع هذا فظاهره عدم الفرق بين المبتدأ والمبتلي والمدعي على اختصاص الإعادة بالمبتدأ. ـ واحتجوا ـ أيضًا بما أخرجه الطبراني عن ميمونة بنت سعد أنها قالت: (أفتنا يا رسول اللَّه في رجل سها في صلاته فلا يدري كم صلى قال: ينصرف ثم يقوم في صلاته حتى يعلم كم صلى فإنما ذلك الوسواس يعرض فيسهيه عن صلاته). وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي الجزري مختلف فيه وهو كبقية في الشاميين يروي عن المجاهيل وفي إسناده أيضًا عبد الحميد بن يزيد وهو مجهول كما قال العراقي. ـ واحتج القائلون ـ بوجوب العمل بالظن والتحري إما مطلقًا أو لمن كان مبتلى بالشك بحديث ابن مسعود الآتي لما فيه من الأمر لمن شك بأن يتحرى الصواب وأجاب عنهم القائلون بوجوب البناء على الأقل بأن التحري هو القصد. ومنه قوله تعالى والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقل والبناء على اليقين وتحري الصواب وذلك لأن التحري في اللغة كما عرفت هو طلب ما أحرى إلى الصواب وقد أمر به صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأمر بالبناء على اليقين والبناء على الأقل عند عروض الشك فإن أمكن الخروج بالتحري عن دائرة الشك لغة ولا يكون إلا بالاستيقان بأنه فعل من الصلاة كذا ركعات فلا شك أنه مقدم على البناء على الأقل لأن الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدراية كما في حديث عبد الرحمن بن عوف وهذا المتحري قد حصلت له الدراية وأمر الشاك بالبناء على ما استيقن كما في حديث أبي سعيد ومن بلغ به تحريه إلى اليقين قد بني على ما استيقن وبهذا تعلم أنه لا معارضة بين الأحاديث المذكورة وأن التحري المذكور مقدم على البناء على الأقل وقد أوقع الناس ظن التعارض بين هذه الأحاديث في مضايق ليس عليها أثارة من علم كالفرق بين المبتدأ والمبتلي والركن والركعة. قوله في حديث الباب: (قبل أن يسلم) استدل به القائلون بمشروعية سجود السهو قبل السلام وقد تقدم الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحق. قوله: (فليصل حتى يشك في الزيادة) فيه أن جعل الشك في جانب الزيادة أولى من جعله في جانب النقصان. 2 - وعن أبي سعيد الخدري قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثًا أم أربعًا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان). رواه أحمد ومسلم. الحديث أخرجه أيضًا أبو داود بلفظ: (فليلق الشك وليبن على اليقين فإذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة والسجدتان نافلة وإن كانت صلاته ناقصة كانت الركعة تمامًا والسجدتان ترغيمًا للشيطان) وأخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم والبيهقي. واختلف فيه على عطاء بن يسار فروي مرسلًا وروي بذكر أبي سعيد فيه وروي عنه عن ابن عباس قال الحافظ: وهو وهم. وقال ابن المنذر: حديث أبي سعيد أصح حديث في الباب. والحديث استدل به القائلون بوجوب إطراح الشك والبناء على اليقين وهم الجمهور كما قال النووي والعراقي. وقد تقدم ما أجاب به القائلون بالبناء على الظن وما أجيب به عليهم وما هو الحق. قوله: (قبل أن يسلم) هو من أدلة القائلين بالسجود للسهو قبل السلام وقد تقدم البحث عن ذلك أيضًا. قوله: (فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته) يعني أن السجدتين بمنزلة الركعة لأنهما ركناها فكأنه بفعلهما قد فعل ركعة سادسة فصارت الصلاة شفعًا. قوله: (كانت ترغيمًا للشيطان) لأنه لما قصد التلبيس على المصلي وإبطال صلاته كان السجدتان لما فيهما من الثواب ترغيمًا له فعاد عليه بسببهما قصده بالنقض. وفي جعل العلة ترغيم الشيطان رد على من أوجب السجود للأسباب المتعمدة وهو أبو طالب والإمام يحيى والشافعي كما في البحر لأن إرغام الشيطان إنما يكون بما حدث بسببه والعمد ليس من الشيطان بل من المصلي. وأما استدلالهم على ذلك بالقياس للعمد على السهو لأنه إنما شرع في السهو للنقص فالعمد مثله فمردود بأن العلة ليست النقص بل إرغام الشيطان كما في الحديث. وظاهر الحديث أن مجرد حصول الشك موجب للسجود ولو زال وحصلت معرفة الصواب وتحقق أنه لم يزد شيئًا وإلى ذلك ذهب الشيخ أبو علي والمؤيد باللَّه وذهب المنصور باللَّه وإمام الحرمين أنه لا يسجد لزوال التردد ويدل للمذهب الأول ما أخرجه أبو داود عن زيد بن أسلم قال: (قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فإن استيقن أنه صلى ثلاثًا فليقم وليتم ركعة بسجودها ثم يجلس فيتشهد فإذا فرغ فلم يبق إلا أن يسلم فليسجد سجدتين وهو جالس ثم يسلم) وسيأتي في حديث ابن مسعود ما يدل على مثل ما دل عليه هذا الحديث. 3 - وعن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود: (قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: قال إبراهيم: زاد أو نقص فلما سلم قيل له: يا رسول اللَّه حدث في الصلاة شيء قال: لا وما ذاك قالوا: صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه فقال: إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين). رواه الجماعة إلا الترمذي. وفي لفظ ابن ماجه ومسلم في رواية: (فلينظر أقرب ذلك إلى الصواب). قوله: (وعن إبراهيم) هو النخعي. قوله: (زاد أو نقص) في رواية للجماعة من طريق إبراهيم عن علقمة أنه صلى خمسًا على الجزم وستأتي في باب من صلى الرباعية خمسًا وفي قوله: (زاد أو نقص) دليل على مشروعية سجود السهو لمن تردد بين الزيادة والنقصان إلا أن تجعل رواية الجزم مفسرة لرواية التردد. قوله: (فثنى رجليه) في رواية أبي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان بالإفراد وهذه الرواية هي اللائقة بالمقام. ومعنى ثنى الرجل صرفها عن حالتها التي كانت عليها. قوله: (لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به) فيه أن الأصل في الأحكام بقاؤها على ما قررت عليه وإن جوز غير ذلك وأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. قوله: (إنما أنا بشر مثلكم) هذا حصر له في البشرية باعتبار من أنكر ثبوت ذلك ونازع فيه عنادًا وجحودًا وأما باعتبار غير ذلك مما هو فيه فلا ينحصر في وصف البشرية إذ له صفات أخر ككونه جسمًا حيًا متحركًا نبيًا رسولًا بشيرًا نذيرًا سراجًا منيرًا وغير ذلك. وتحقيق هذا المبحث ونظائره محله علم المعاني. قوله: (أنسى كما تنسون) زاد النسائي: (وأذكر كما تذكرون) وفيه دليل على جواز النسيان عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيما طريقه البلاغ وقد تقدم الكلام على هذا في شرح حديث ذي اليدين. قوله: (فإذا نسيت فذكروني) فيه أمر التابع بتذكير المتبوع. وظاهر الحديث يدل على الوجوب على الفور. قوله: (فليتحر الصواب) فيه دليل لمن قال بالعمل على غالب الظن وتقديمه على البناء على الأقل وقد قدمنا الجواب عليه من جهة القائلين بوجوب البناء على الأقل. قوله: (فليتم عليه) بضم التحتانية وكسر الفوقانية. قوله: (ثم ليسجد سجدتين) فيه دليل لمن قال إن السجود قبل التسليم وقد مر تحقيقه وفيه أيضًا أن مجرد النظر والتفكير من أسباب السجود لأنه قد لحق الصلاة بسبب الوسوسة نقص وقد تقدم الكلام على ذلك. 4 - وعن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إن الشيطان يدخل بين ابن آدم وبين نفسه فلا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم). رواه أبو داود وابن ماجه. وهو لبقية الجماعة إلا قوله: (قبل أن يسلم). 5 - وعن عبد اللَّه بن جعفر: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم). رواه أحمد وأبو داود والنسائي. حديث عبد اللَّه بن جعفر في إسناده مصعب بن شيبة قال النسائي: منكر الحديث وعنه ليس بمعروف وقد وثقه ابن معين واحتج به مسلم في صحيحه. وقال أحمد بن حنبل: إنه روى أحاديث مناكير وقال أبو حاتم الرازي: لا يحمدونه وليس بالقوي وقال الدارقطني: ليس بالقوي ولا بالحافظ. قوله: (إن الشيطان يدخل بين ابن آدم وبين نفسه) في لفظ للبخاري وأبي داود: (إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه) وفي لفظ للبخاري أيضًا: (أقبل يعني الشيطان حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل أن يدري كم صلى). قوله: (فليسجد سجدتين قبل أن يسلم) فيه دليل لمن قال سجود السهو قبل التسليم وقد تقدم الكلام على ذلك. قوله: (بعد ما يسلم) احتج به القائلون بأن سجود السهو بعد السلام وقد تقدم ذكرهم. والأحاديث الصحيحة الواردة في سجود السهو لأجل الشك كحديث عبد الرحمن بن عوف وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرها قاضية بأن سجود السهو لهذا السبب يكون قبل السلام وحديث عبد اللَّه بن جعفر لا ينتهض لمعارضتها لا سيما مع ما فيه من المقال الذي تقدم ذكره ولكنه يؤيده حديث ابن مسعود المذكور قريبًا فيكون الكل جائزًا وقد استدل بظاهر هذين الحديثين من قال إن المصلي إذا شك فلم يدر زاد أو نقص فليس عليه إلا سجدتان عملًا بظاهر الحديثين المذكورين. وإلى ذلك ذهب الحسن البصري وطائفة من السلف وروي ذلك عن أنس وأبي هريرة وخالف في ذلك الجمهور والعترة والأئمة الأربعة وغيرهم فمنهم من قال يبني على الأقل. ومنهم من قال يعمل على غالب ظنه. ومنهم من قال يعيد. وقد تقدم تفصيل ذلك وليس في حديثي الباب أكثر من أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمر بسجدتين عند السهو في الصلاة وليس فيهما بيان ما يصنعه من وقع له ذلك والأحاديث الآخرة قد اشتملت على زيادة وهي بيان ما هو الواجب عليه عند ذلك من غير السجود فالمصير إليها واجب. وظاهر قوله: (من شك في صلاته) وقوله: (فإذا وجد أحدكم ذلك) وقوله في حديث أبي سعيد المتقدم: (إذا شك أحدكم في صلاته) وقوله في حديث ابن مسعود المتقدم أيضًا: (وإذا شك أحدكم فليتحر الصواب) وقوله في حديث عبد الرحمن بن عوف: (إذا شك أحدكم في صلاته) أن سجود السهو مشروع في صلاة النافلة كما هو مشروع في صلاة الفريضة وإلى ذلك ذهب الجمهور من العلماء قديمًا وحديثًا لأن الجبران وإرغام الشيطان يحتاج إليه في النفل كما يحتاج إليه في الفرض. وذهب ابن سيرين وقتادة وروي عن عطاء ونقله جماعة من أصحاب الشافعي عن قوله القديم إلى أن التطوع لا يسجد فيه وهذا ينبني على الخلاف في اسم الصلاة الذي هو حقيقة شرعية في الأفعال المخصوصة هل هو متواطئ فيكون مشتركًا معنويًا فيدخل تحته كل صلاة أو هو مشترك لفظي بين صلاتي الفرض والنفل فذهب الرازي إلى الثاني لما بين صلاتي الفرض والنفل من التباين في بعض الشروط كالقيام واستقبال القبلة وعدم اعتبار العدد المنوي وغير ذلك. قال العلائي: والذي يظهر أنه مشترك معنوي لوجود القدر الجامع بين كل ما يسمى صلاة وهو التحريم والتحليل مع ما يشمل الكل من الشروط التي لا تنفك. قال في الفتح: وإلى كونه مشتركًا معنويًا ذهب جمهور أهل الأصول. قال ابن رسلان: وهو أولى لأن الاشتراك اللفظي على خلاف الأصل والتواطؤ خير منه اهـ. فمن قال أن لفظ الصلاة مشترك معنوي قال بمشروعية سجود السهو في صلاة التطوع ومن قال بأنه مشترك لفظي فلا عموم له حينئذ إلا على قول الشافعي أن المشترك يعم جميع مسمياته وقد ترجم البخاري على باب السهو في الفرض والتطوع وذكر عن ابن عباس أنه يسجد بعد وتره وذكر حديث أبي هريرة المتقدم .
|